السبت، 28 يناير 2012

إلى عزيز...

عزيز

أتذكر تلك الأيام و اعلم تماماً أنك تشارك ذكرياتها مع غيرى، لكن احتاج ان اتخلص من تلك الغصة التى تجتاحنى حين اتساءل وحدى: لما كان علىّ أن اتعامل مع تلك الفجوة الباردة التى تعتصر ذلك القلب البائس من حين لآخر- وحدى؟ آه تذكرت، ففى هذه الحياة المعقدة التى نعايشها و تعيشنا، علينا ان نعتمد على أنفسنا- و أنفسنا فقط، لأنه حتى ظلالنا، تتركنا فى الظلام لنواجه اشباح الخوف و الخذلان و الظلم وحدنا، وحدنا تماماً

إن تلك الفجوة الباردة تمتصنى فى لحظات تعبى أو فراغى، بت اكره الفراغ و لو على حساب جسدى و قلبى الذى أضحى يرهقنى كثيراً

يا الله! كم اكره تلك الميلودراما التى أوقعت نفسى فيها، بت اعتقد فى قوة الهشاشة، تغمرنا حتى تفيض ، و توحد تجربتنا الانسانية، ربما كانت الهشاشة هى التى تحدد كينونتنا كبشر، لأننى اصطدم بها كثيراً و أمقتها بشدة، لدرجة تدفعنى للصراخ الصامت أحياناً، ماذا بكم؟ ألم يتبقى فى أرواحكم القليل من القوة؟ أين ايمانكم بأنفسكم و ثقتكم بها؟ ما بالنا نستمتع بأدوار الضحايا و نتمرغ فى احزاننا من اجل أناس لا يستحقون؟ أين كبرياؤكم أيها الخانعون؟ ما كل هذا الغباء؟!!

يمكننى أن أكون قوية حقاً، لكننى أتميز بالجبن الشديد، علىّ ان ابتلع تلك الاسئلة وحدى أيضاً، فمن المؤكد أننى سأخسر بها الكثيرين، و هم فى الواقع ليسوا بكثر على الاطلاق!

إن اللغة قاصرة حقاً، عاجزة حقاً، فكثيراً ما أواجه قصورها فى تعريف ما أشعر به، فى هذه الأيام، أشعر بأن قلبى يتمرد علىّ، هو مجهد كثيراً، و معه كل الحق، فأنا أُخضعه لكثير من الارهاق العصبى و العقلى و الجسدى، و آمره بأن يمتثل فى صمت! أولاً و أخيراً، نحن نقسو فى الحقيقة على قلوبنا، و قلوبنا هشةأترى؟ إنها دائرة مغلقة يا عزيز و أنا أمقت الدوائر المغلقةفحين قررت أن أتحرر منها، أدركت ما لا يمكن أن تتخيله، فأنت يا عزيز تمتلك ذاكرة معطوبة فى تفاصيلها الحميمية- معى، لذا علىّ أن أُدرك –وحدى- ما صنعته هشاشتى و احتياجى بنفسى

عزيز، ألا ترى سخرية الأمر؟ لقد احببت و جُرحت، ثم صنعت بى ما مررت به، لكنك بالطبع لا ترى، فأنا التى اعتدت أن تمتهن كرامتها و سذاجتها الرومانسية المفرطة، لتعلن لنفسك أنك ملاك، و أنها السبب فى كل شرور الدنيا، و ربما الآخرة أيضاً!

نحن نكتب لأننا نريد التخلص من كل ما يؤلمنا، فنتكسر على بياض أوراقنا، ربما لأننا لا نجد من يتحمل كل تلك الانكسارات، فقلوب البشر ضيقة، تتسع لهمومها بالكاد، و ربما لأننا لا نأمن غير بياض الاوراق على اسرارنا و هفواتنا و كبواتنا و خساراتنا و و و و إن الأمر مجهد بالفعل يا عزيز، و قلوبنا هشة، حسنٌ إذاً ساعترف، إننا ندور فى دوائر مغلقة ، و ربما كانت حياتنا أكبر دائرة مغلقة علينا التحرر منها!

فى الأشهر الماضية واجهت الموت، كاد أن يصرعنى على غفلة فى مرة، و عاصرت سكراته فى مرة أخرى، تأملت تلك المرات، أنا لا اخاف الموت يا عزيز، أتذكر- بالطبع لا تذكر- لكننى أُحدث نفسى، حين كنا نناقش فكرة الخلاص؟ الموت خلاص من شرور الدنيا و غباء البشر يا عزيز، طوبى لمن ماتوا، فهم فى نعيم، فلا أتصور أبداً أن الله قد يخبأ لنا ما هو شر لنا، فقلوبنا هشة، و هو من يقلبها ليل نهار، و هو من أوقعنى فى طريقك، أو أوقعك فى طريقى، لا يهم، المهم الآن أننى أرى ما لم أكن أراه سابقاً

إننى أشعر بنقصان ما كنت امتلكه سابقاً، عفويتى و كثير من المثل التى طالما تشدقتُ بها و انهارت كبناء قديم عند اصطدامها بشراسة الواقع، هى فى الواقع لم تكن مُثُلاً، سمها غباءاً، سذاجة، بلهاً، لا يهم، المهم أننى أرى الآن ما لم أكن آراه سابقاًو هذا يكفى!

بت اعتقد فى تفاهة ما اكتب، فأنا اعيد كتابة تلك الدوائر المغلقة، و ما أُقدّمه ليس بجديد، كثيراً ما اعترفت لنفسى بأننى اتجاوز عثراتى ببطء كلما تقدّم بىّ العمر، و ها أنا اعترف بعبثية ما اكتب أيضاً، ربما علىّ أن اترفق بنفسى قليلاً يا عزيز، فقلوبنا هشة، و لا تتحمل كل ذلك الارهاق

هناك تعليقان (2):

  1. حن نكتب لأننا نريد التخلص من كل ما يؤلمنا، فنتكسر على بياض أوراقنا، ربما لأننا لا نجد من يتحمل كل تلك الانكسارات، فقلوب البشر ضيقة، تتسع لهمومها بالكاد

    صدقتِ ايتها المرهفة، لا اعلم لما ذكرتنى تدوينتك بمقولة إيزابيل الليندي اكتب لأتدوى..

    نجيب محفوظ نفسه ذكر نفس المعنى ولكن بقسوة اكبر حينما قال القلم ملاذ الضائع من يكتبون هم فى العادة من لا يحييون..

    لاأعلم عزيزتى هل كان على صواب فى مقولته ام لا وهل نكتب لنخلد حروفنا بعد حذلننا من البشر ؟!

    حقاً لا أعلم ولكن ما أعلمه يقينا ان قلمك مرهف وجميل

    دمتي مبدعة
    وفاء

    ردحذف